أذكر أننا كنا في مركز عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، والذي كان يُطلق عليه "مركز عشرة"، وكنا قد بدأنا في اختبارات تواصل مركز القيادة مع المراكز الأخرى، ومنها مراكز القوات الجوية، والبحرية، والدفاع الجوي، والجيوش الميدانية، وحتى قيادة القوات في سوريا.
وكان أول يوم أقضيه في مركز القيادة هو يوم الخامس من أكتوبر، لفتح سجلات الحرب في صباح اليوم التالي.
ولأنني كنت أحدث ضابط في القيادة، برتبة رائد، ولم يكن قد مر على انضمامي أكثر من أسبوع، فلم يكن مسموحاً لي، طبقاً للتقاليد العسكرية، الحديث مع القادة الأعلى رتبة، إلا عند تلقي الأوامر بالرد على أمر ما، لذا فقد انصب تركيزي على سماع ما يدور بينهم من مناقشات.
كان البعض يقول: "إحنا تعبنا وولادنا اتدربوا كويس وربنا هينصرنا"، وآخر يقول: "التخطيط للحرب هائل، بقالنا سنين نعدل في الخطة، عندما يُستحدث سلاح أو تصل معلومة عن العدو"، وثالث يتساءل: "تفتكر هنعملها ونقتحم القناة بكرا؟"، ويضيف آخر: "أكيد ربنا هينصرنا في شهر رمضان المبارك"، فيعقب آخر: "والله صلاح عبقري إنه اختار شهر رمضان للهجوم".
ويسأل آخر: "هنقدر نفتح الفتحات في الساتر الترابي؟"، فيرد العقيد مهندس أحمد نبيه: "إحنا عملنا تجارب أكتر من شعر راسنا، وكلها نجحت، الفكرة هايلة، وربنا معانا". ثم نسمع من يقول: "هنقدر نحقق الهجوم ونصل للمضايق؟"، فيأتيه الرد: "هنعبر ونصد الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية وهنوصل".
ويضيف آخر: "التوجيه اللي عمله الفريق الشاذلي مفيهوش غلطة"، ويردد آخر: "المهم ألا تتدخل القوات الجوية الإسرائيلية وإحنا بنعبر"، فيرد أحدهم: "حائط الصواريخ هايل، وولادنا في الدفاع الجوي كانوا أبطال في حرب الاستنزاف، وأعطوا إسرائيل درساً يوم إسقاط الفانتوم، ومش هيغامروا بالتدخل وإحنا بنعبر".
كانت جميع الحوارات التي دارت قبل يوم العبور، في الخامس من أكتوبر، نابعة من القلب، ومفعمة بالأمل، واليقين، والثقة في القدرة على الهجوم في اليوم التالي، الذي بدأت فيه الحرب في تمام الثانية ظهراً، بانطلاق 220 طائرة لعبور قناة السويس، ويبدأ بعدها قصف المدفعية، لتعبر قواتنا المسلحة الباسلة قناة السويس، وتقتحم خط بارليف، وتنتصر على العدو الإسرائيلي، وتُحقق لمصر أغلى نصر في عصرها الحديث.